عربىمنوعات

ما لا يعرفه أحد عن سيدي أحمد البدوي‏!

يستاؤل البعض عن هوية سيدي أحمد البدوي، وإذا كان متصوفًا أو رجل دين مثل رجال الدين العاديون، أم رجل سياسة، وما السر وراء شهرته التي جعلت الملايين يلتفون حوله ثم حول ضريحه في طنطا بعد وفاته.

عشرات المتصوفين وضعوا بصماتهم فوق جبهة الحياة, ثم مضوا, واختفوا, في حنايا التاريخ, ولم نعد نسمع عنهم، وهناك متصوفون أجبروا الأجيال علي ذكرهم وذكر تعاليمهم, وترديد أورادهم، من هؤلاء سيدي أحمد البدوي فهل هناك ملامح أخرى غير ملامح التصوف في شخصية سيدي أحمد البدوي ؟

ماذا يقول المؤرخون عن سيدي أحمد البدوي؟

لو كان التصوف فقط هو كل ملامح شخصية سيدي أحمد البدوي لما عاش في قلوب الناس ثمانية قرون, ولما حاز هذه الشهرة العريضة الضخمة بعد مماته, إن شهرته شهرة أسطورية لا مثيل لها في التاريخ, بجانب تصوفه الذي لا شك فيه كان يمثل بطولة شعبية معينة استشهد في سبيلها وإن لم يمت قتيلا لكنه اختزن في أعماقه آمال شعب كله… ثم مات.


سيدي أحمد البدوي شخصية فريدة فهو ليس متصوفا عاديا.. وذلك لعدة أسباب:
من هذه الأسباب أنه لم يترك لنا أورادا كثيرة مثل باقي المتصوفين, بل ترك أورادا قليلة, أهمها ما قاله لعبد العال فيشاوي مريده الأول وخليفته بعد وفاته, والمدفون الآن في نفس المسجد قال له:
– إياك يا عبد العال وحب الدنيا فإنه حب يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل
وهذا الورد( بكسر الواو) هو قمة فلسفة سيدي أحمد البدوي ومحوره وسبب آخر أنه كان زاهدا بمعني الكلمة, فبرغم أنه وصل إلي مركز ضخم من مراكز القوي وجعل من قرية صغيرة اسمها طنطا مدينة طنطا العظيمة, بعد أن حج إليها مئات الآلاف إلا أنه ظل زاهدا طوال حياته وعاش فقيرا ومات فقيرا, لم يترك بعد وفاته سوي قميصه الصوف الشهير, لم يملك في حياته أي شيء, عقارا ولا حتي ملابس وكان يسكن فوق السطح في منزل صديقه الشيخ ركين, وزهده وفقره أعطياه القوة الروحية الكبيرة إيمانا بأن الإنسان إذا استطاع ألا يملك شيئا فلن تملكه قوة علي الأرض.

وسبب ثالث… أنه زعيم شعبي, فقد اختزن في صدره آمال شعب وعبر عنها في وقت عصيب كان الشعب يعاني في ذلك الوقت من ظلم المماليك ومن حروب التتار والصليبيين ودليل ذلك القول المأثور: يا بدوي جاب اليسري.. أي أن سيدي أحمد البدوي هو الذي حرر الأسري وأطلق سراحهم في معركة حربية قرب المنصورة ضد الصليبيين, وانتصر, وأسر الملك لويس التاسع ملك فرنسا.. ولا تناقض في شخصيته, فهو متصوف لا يملك شيئا, ولا يبقي علي شئ, لذلك كان يحب شعبه إذن فهو زعيم شعبي, وهو رجل ديني يري أن الدين قوة أساسية محركة وليس كهنوتا, لذلك تحرك وحارب, فهو زعيم سياسي أيضا.


وكان لسيدي أحمد البدوي39 لقبا, أهمها جاب اليسري أي خلص الأسري مهارش الحرب أي مارس الحرب الثائر الغضبان أي الغضبان من أجل الحق فتي الفتيان وسبب كثرة هذه الألقاب هو قوة شخصية هذا الرجل وتأثيره في الناس وقد ضربت الأمثال في قوة شخصيته حتي اخترعت حوله آلاف القصص والكرامات, أهمها أن أحد قواد المماليك ضرب خياله في طنطا وأراد أن يستولي علي شعير البلد ليطعم به الخيل!!! ولم يجد هذا الشعير إلا عند الشيخ الركين الذي ينزل عنده سيدي أحمد البدوي ضيفا, فأرسل القائد المملوكي عساكره إلي بيت الشيخ ركين لأخذ الشعير بالقوة والضرب إذا لزم الأمر وهنا نظر سيدي أحمد البدوي إلي الشعير فتحول إلي قمح, ليعود عساكر المماليك بخفي حنين بعد أن رأوا القمح بأعينهم.

من هو سيدي أحمد البدوي؟


سيدي أحمد البدوي منسب, فجده الكبير هو الإمام علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم وزوج ابنته.
ولد سيدي أحمد البدوي في مدينة فاس بالمغرب, ولمولده قصة فقد كانت الدولة الإسلامية في ذلك الوقت تحت حكم بني أمية الذين يضطهدون آل سيدنا علي, حتي أن جده شاهد أباه يذبح أمامه في عهد الخليفة المأمون, فهاجر جده إلي فاس بالمغرب حيث ولد سيدي أحمد البدوي ولكن جده عاوده الحنين إلي بلده حيث أراد أن يدفن فيها فعاد إلي الحجاز عن طريق مصر التي لبث فيها سنتين, تأثر خلالهما سيدي أحمد البدوي بتعاليم الصوفية.. سافر مع جده إلي الحجاز, ولكنه عاد إلي مصر بعد أن أصبح إماما في التصوف, فأراد أن ينشر تعاليمه ورسالته بين شعب أحبه, فاختار مصر حيث الدولة الأيوبية تشجع وتنشر مذاهب المتصوفين.
عاش سيدي أحمد البدوي عند الشيخ( ركين) الذي تعرف عليه في الحجاز خلال فترات الحج.. وسكن في حجرة متواضعة فوق سطوح منزله حيث توفي فيها!!!
وفي ديسمبر عام1968 بعد800 عاما عاد سيدي أحمد البدوي للحياة!!! وقف علي خشبة المسرح يلقي تعاليمه بين الناس, وهؤلاء الناس الذين أحبهم ارتادوا علي مسرح الحكيم الذي ضاقت طرقاته بالكراسي الإضافية… بعد أن امتلأت الكراسي المعدة أصلا للمتفرجين… والذي تكاد تتشقق جدرانه من عنف التصفيق بالأيدي ولما تعبت الأيدي أصبح التصفيق بالكراسي!!!


بعد800 عام من وفاة سيدي أحمد البدوي وقف علي خشبة المسرح في شارع عماد الدين في محاولة مسرحية جريئة للغاية.. حساسة في ذلك الوقت(1968) مسرحية كثر الكلام عنها اسمها( بلدي يا بلدي) تأليف الدكتور رشاد رشدي.
أقول بعيدا عن بحر اللوغاريتمات الذي سبح فيها رجال التخصص من أهل النقد المسرحي أقول في كلمات بسيطة مفهومة ان هذه المسرحية في وقتها تطرح وجهة نظر جريئة من رشاد رشدي الذي اتخذ من سيدي أحمد البدوي رمزا وشعارا للالتفاف الجماهيري حول دعاة الحرية والإبداع!!! مع ارتباطها بالروحانيات في نفس الوقت ساخرا في نفس الوقت من خطر أدعياء الدين علي دعوة الله الذي هو برئ من الجلوس والهتاف بـ:( يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف)…( وما أحوجنا الآن لمشاهدة هذه المسرحية) بالذات علي الشاشة أضعف الإيمان- فأين لنا الآن بهذه الكوكبة الرائعة من الممثلين والممثلات: حمدي غيث( في أعلي المسرح سيدي أحمد البدوي فوق السطوح) سهير البابلي( فاطمة بنت بري) ثم عبد الله غيث( المفتري الحاكم المستبد الذي لا يستطيع أن يصعد إلي السطوح).. عانقه الجماهير بالتصفيق الحاد لحسن أدائه لا أكثر.. ثم محمد نوح الراوي المتزن الفاهم الواعي تتساقط من فمه الحكمة.. ثم فاروق نجيب الراوي الساخر الضاحك الباكي.. ثم المخرج المحنك الدارس جلال الشرقاوي الذي حول النص الجامد إلي واقع متحرك لم يهدأ لحظة.. حول المجاميع الهائلة التي زخر بها المسرح إلي كتلة تنبض بالحياة.. يا تليفزيون.. ما أحوجنا لهذه المسرحيات ذات المضمون الآن بالذات.
أما المفاجأة الكبري لي فقد كانت في اسم الملحن صاحب الموسيقي والأغاني إنه كان زكريا الحجاوي.
تربطني بزكريا الحجاوي صداقة أو قل تلمذة يصل تاريخها إلي48 عاما.. عرفت زكريا الحجاوي القصصي, ثم المحرر في جريدة( المصري) في كل فروع التحرير وصف زكريا الحجاوي مباريات كرة قدم كان أروعها مباريات فريق المجر الدولي برئاسة بوشكاش عام1954.. كتب زكريا الحجاوي بطريقته القصصية تفاصيل الكثير من الحوادث والجرائم كان أهمها مصرع النقراشي باشا في مصعد وزارة الداخلية عام1948 وسفاح كرموز.. وكتب في صفحة المرأة يصف فستان البيجوم أغاخان وريتا هيوارث حينما زارتا مصر.. وأيضا كمحرر فني ينقد الأفلام والمسرحيات.. وكتب مقالات سياسية نارية.
رأس زكريا الحجاوي تحرير إحدي المجلات الأسبوعية الشهرة ولكنه ترك المنصب قبل أن يصدر العدد الأول!!! وجد أن منصب رئيس التحرير والمكتب الفخم الذي سيجلس خلفه والتليفونات العديدة بجواره والفراش الذي يقف عند الباب يحييه في الذهاب والإياب.. وجد أن هذا سجن لفنه وعبقريته.. فتركها وهرول إلي الشارع.. بل ترك الصحافة كلها.. وأصبح صاحب فرقة غنائية مشهورة تردد الغناء الشعبي لأبناء مصر.

كان يعشق مصر وأبناء مصر ولكن الذي لم أكن أتصوره يوما أنه ملحن أيضا.. ويلحن لمسرحية في حجم مسرحية( بلدي يا بلدي).. ومع ذلك طوع الموسيقي بحيث جعلها في خدمة النص ومن أجله.. ترجم حركات الكاست الكبير الذي كان علي المسرح بالموسيقي.. حتي قيل يوما ان( بلدي يا بلدي) أوبريت أكثر منها مسرحية والسبب واحد أسمه زكريا الحجاوي.
عرفت في حياتي الصحفية(64 عاما صحافة) اثنين مجانين فن وصحافة ووطنية.. وسجن واعتقال.. زكريا الحجاوي وعبد الرحمن الخميسي الذي سميته يوما( شارلي شابلن العرب).
وهنا قصة هامشية
كان وزير الثقافة في ذلك الوقت الدكتور ثروت عكاشة.. وبحكم القرابة كنت قريبا منه خاصة أنه لم تكن هناك وزارة للثقافة من قبل فكان هو أول وزير للثقافة في مصر.. بل في كل دول أفريقيا لذا كنت قريبا من هذه الواقعة التي كانت بخصوص مسرحية( بلدي يا بلدي) اتصل جمال عبد الناصر بثروت عكاشة وقال له ان الناس تقول ان المسرحية موجهة له( عبد الناصر) شخصيا.. خاصة دور عبد الله غيث.. فقرر عكاشة أن يشاهد المسرحية ثم يرفع له تقريرا.. ولكن عبد الناصر أصر علي أن يشاهد معه المسرحية وفي داخل المسرح نفسه ومع الجمهور ليري بنفسه ما قيل له عن هذه المسرحية وما فيها من إسقاطات تمس عبد الناصر شخصيا.. وماذا يفعل المتفرجون.
وفي ركن مظلم في أعلي صالة المسرح بعيدا عن الناس دخل عبد الناصر وثروت عكاشة من باب خلفي خاص بإدارة المسرح دون أن يراهم أحد.. وكان قد سبقهما الحرس الذي وقف في ظهريهما.. وشاهدا المسرحية دون أن يراهما أحد حتي خلال الاستراحة والإضاءة كانت الأنوار لا تصل إليهما!!!!
في هذا الظلام الدامس شاهد عبد الناصر المسرحية كاملة.. فقد كانت( تشد) أي متفرج ليري النهاية.
وخلال خروج عبد الناصر وثروت عكاشة.. التفت عبد الناصر وقال له بلهجة تساؤل:
– هو أنا بهذا السوء يا ثروت!!!
لم يرد ثروت عكاشة طبعا.. واستمرت المسرحية مدة طويلة فلم يصدر أي قرار بوقفها رغم صراحة ما فيها من إسقاطات. وبعد.. لم يضعف الإنسان.. لم يصبح ذليلا رعديدا جبان كالسراب.. صدقت ياحمدي غيث في صيحتك المدوية اقصد صدقت يا سيدي أحمد البدوي.

قصة سيدي أحمد البدوي
لم يضعف الإنسان
لم يصبح جسدا بلا روح
لم يصبح فما مفتوحا
كفم الحيوان
لم يفقد القدرة علي الصمت
لم يفقد القدرة علي الهمس
لم يفقد القدرة علي الكلام
لم يصبح الإنسان
ذليلا رعديدا جبان
كالسراب
أو كالأرض الخراب
لم يمت الإنسان ويدفن
قبل أن يدفن في التراب
لم يبع نفسه
كما تباع الأغنام
لم يقهر الإنسان
لأتفه الأسباب
وبأبخس الأثمان
بما هو زائل وبما هو فان
بالمال والشراب والطعام
الجاه والقوة والسلطان
في هذا كله يفكر
سيدي أحمد بدوي الإمام
يا سادة.. يا كرام

تابع كل النجوم على تطبيق نبض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى